تعرف على دليل المبتدئين في صناعة المستبدين ..وكيف تتم “حيونة الإنسان” وتدجينه؟
دليل المبتدئين في صناعة الدكتاتور - وصفي عبد المولى
في كتابه “حيونة الإنسان”، يقدم لنا ممدوح عدوان (1941 – 2004) نجد سردًا لعملية تغيير الإنسان إلى حيوان، حيث يكون الأكثر خطورة في هذا التحول هو تغير البنية العقلية الداخلية، إما لاستعباده أو ليكون أداة لاستعباد غيره.
في بعض الأحيان يصل السجان إلى نسيان سبب التعذيب، فيصير إنزال الألم بالسجين هدفًا ووسيلة وغاية
كيف يتم التحويل؟ يبدأ عدوان حديثه عن “التعود”، فالإنسان حين يشتم رائحة مزعجة فإن جملته العصبية كلها تتنبه وتعبر عن انزعاجها، لكن بعد فترة من البقاء سوف تخف الرائحة، ويومًا بعد يوم لن تشم هذه الرائحة. تخيّل دخولك إلى سوق النحاسين مثلًا، إن الضجة في البداية سوف تثير أعصابك كثيرًا، لكن تخيل القاطنين في ذلك الحي، أو حتى النحاسين أنفسهم الذين تعودوا على هذه الضجة. السبب أن الشعيرات الحساسة والأعصاب في الأنف والأذن قد ماتت. إذن، تصوّر حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا! كم فقدنا من كرامتنا وتضامننا الإنساني حتى تعودنا وأصبح الإذلال شيئًا طبيعيًا؟
من قمع الطفل في بيته، إلى قمع الأستاذ لرأي التلميذ، إلى قمع الرجل زوجته، وصولًا إلى الشرطي الذي يقف عند الزاوية رافعًا رايته لمخالفة حتى الطائرات. لماذا هذه السلطوية؟ من أين له هذه الجرأة؟ ويأتيك من يتساءل أنه كيف يمكن لإنسان أن يقتل إنسانًا مثله ويعذبه حتى الموت؟ أنت تسارع حين ترى جثة إلى دفنها لأن الطبيعة البشرية لا تستطيع رؤية الموت والتفسخ، لكن كيف يتم التعذيب؟ في السجن يقوم السجان بضرب المعتقل لأخذ الاعترافات منه، لكن في بعض الأحيان يصل السجان إلى نسيان سبب التعذيب، فيظل التعذيب هدفًا ووسيلة وغاية لا تهم مهما اختلق المعتقل بعدها من أكاذيب لينتهي من العذاب.
“من أجمل الشهادات التي يقدمها عدوان هو ما يرد في رسالة مايرخولد الى مولوتوف قبل إعدامه: “وجدت نفسي منفصمًا إلى شخصين: الشخص الأول يحاول أن يعثر على أثر للجرائم التي يتهم بها فلا يجد، والشخص الثاني يخترع الجرائم حين يعجز الشخص الأول على اختراعها، وفي هذا المجال كان ضابط التحقيق يقدم لي عونًا لا يقدر بثمن حين رحت أنا وهو نخترع معًا في عمل ثنائي ناجح”.
“نفذ ثم اعترض”.. إن الطيار الذي يتلقى أمرًا بقصف قرية لا يسأل عما إذا كان ما يفعله صحيحًا، بل لا يرى بأنه مذنب، فهو ينفذ الأمر ليس غير. تذكر الكاتبة اللبنانية جنى الحسن في روايتها “طابق 99” خلال حديثها عن مجزرة صبرا وشاتيلا: “كانوا يقولون لنا أن نقتل وكنا نفعل”.
لا يمكن للمجتمع الديمقراطي أن يقوم إلا على أساس مواطنين لا يتهاونون في حقوقهم ولا يخافون في طلبها
كيف تحدث كارثة المجازر الجماعية؟ يشرح عدوان هذه الآلية باستفاضة، يتم توزيع المهمات والمسؤوليات، هنالك من يقوم بعمليات الاعتقال، وآخرون بالتجميع، وغيرهم بنقل المعتقلين بالسيارات، وغيرهم بحراسة معسكرات الاعتقال، فكل منهم لا يحس أنه ينفذ مجزرة أبدًا، كل ما عليه فقط هو تنفيذ الأمر المحدد الذي صدر إليه. حين تأتي أخيرًا مهمة القتل النهائية ستكون هناك مجموعة مدربة من العتاة الذين لا يصعب العثور عليهم وتدريبهم.
توزيع المسؤوليات يخفّف نصيب كل فرد من الجريمة، وهذا ما حصل في مجزرة “صبرا وشاتيلا” 1982.
لم يكن الإنسان تاريخيًا ميالًا إلى السلم، ولا للحفاظ على حياة الآخرين، فكيف به الآن مع إنتاج مصطلحات خاصة للإبادة عن بعد، وعدم تلويث الأيدي بالدماء في ظل سياسات مثل “سياسة الأرض المحروقة”. حماية الهيئات الدولية تصل إلى حماية الأفراد من حكوماتهم، والأقليات، وحماية التلاميذ من أساتذتهم، والأبناء من أهلهم، والزوجات من أزواجهن، لماذا يحصل كل هذا؟ إن منفذ القتل والتعذيب بعد شحنه بأفكار خاصة، يشعر بأنه يؤدي خدمة، وهذه الأفكار لا تعمل بشكلها الصحيح إلا اذا تم إقناعه بأنه لا يتعامل مع بشر مثله، فيقوم المستعمر بتدعيم هذه الفكرة عند احتلاله بلدًا ما، إذ يجردهم من إنسانيتهم، وترى في قاموسه عبارات استئصالية مثل: “زحف العرق الأصفر” و”قطعان الأهالي” و”حيوانات الشوارع” و”تفريخ السكان”، وهذا كله لإثبات أنهم أدنى مرتبةً وأنهم أنصاف بشر أو حيوانات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق